الرحلة ابتدأت (في رثاء عبد الناصر) - أحمد عبد المعطى حجازي
من يا حبيبي جاء بعد الموعد المضروب للعشاق فينا
الفجر عاد، ولم أزل سهران أستجلي وجوه العابرينا
فأراك ! لكن بعد ما اشتعل المشيب وغضن الدهر الجبينا
لا تبتئس أنا تأخرنا !
فبعد اليوم لن يصلوا لنا ليفرقونا !
ورأيت جاري في قطار الليل يبكي وحده،
ويضيع في ليل المدينه
وجهٌ ذكرت به مواكبك التي كانت طعام العام،
للفقراء أبناء السبيل
يتخطف التجار والعسس الصغار وجوههم في كل
أمسية، فيطوون الضلوع على محياك النبيل
يأتي غدا فينا !
ويكمل في مسيرة شعبنا المقهور دينه
يأتي غدا فينا !
ويجعلنا له جندا وحاشية،
ويجعل من منازلنا حصونه
يأتي غدا فينا !
يبوح بسرنا الخافي، ويسلمنا ودائعنا الدفينه
يأتي غدا !
ويجف دمعهم ويبتسمون في الحلم الجميل !
حتى يدور العام دورته،
فتدعوهم إليك، تمد مائدة
وتفرط فوقهم ثمر الفصول
وتسل سيفك في وجوه عدوهم
وتعود منتصرا تحيط بك المدائن والحقول
زدنا ! وتعطيهم، وتطعمهم وتسقيهم،
إلى أن يملأ الفرح السفينه
يتحقق الحلم الجميل لليلة يتزودون بها،
وينحدرون في الليل الطويل
يتنظرون على مداخل دورهم أن يلمحوك مهاجرا،
تلقى عصا التسيار تحت جدارهم يوما،
وتمسح عنهم تعب الرحيل
لكن بدر الليل لم يشرق علينا من ثنيات الوداع
ونعاه ناع !
يتمزق الصمت الحدادي الكئيب على انحدار قطارنا
في الليل وهو يمر منتحبا بأطراف المدينه
يجتاحنا هم ثقيل أنها اقتربت،
فماذا نبتغى بعد الوصول
والليل أثقل ما يكون،
كأن طير الموت لم يبرح يرف بجناحيه الأسودين،
على الكآبة والسكينه
تتراجع الأشجار هاربة
وتشخص حولنا الأشياء ثم تميل ساقطة
وتمعن في الأفول
وأشد صاحبتي ونرحل في زحام الناس،
لا ندرى غدا ماذا يكون،
وكيف تشرق شمسه فينا ولست على المدينه !
لا لم يمت ! وخرجنا
نجوب ليل المدينه
ندعوك فاخرج إلينا
ورد ما يزعمونه
إن كنت عطشان، كنا
إليك ريحا ونهرا
أو كنت جوعان، كنا
خبزا وملحا وتمرا
أو كنت عريان، كنا
ريشا، وكنا جناحا
أو في غيابات سجن
كنا مدى وسراحا
أو كنت مستنصرا،
كنا السيف والأنصارا
أو تائها في الصحارى
كنا القرى والدارا
تعود فينا فقيرا وعاريا وغريبا
تصير فينا، فتعطى الرماد هذا اللهيبا !
كنا نفتش عنك في أنحائها
والليل يوغل، والمقاهي بعد يقظى،
والمصابيح الكليلة، والعيون
متطلعين ! كأنما من شرفة سنراك تظهر،
أو من الراديو تصيح بملء صوتك،
ساخرا مما ادعاه المدعون
أو أن إنسانا سيخرج هاتفا في الليل :
عاد إلى الحياه !
أو أنها هي ليلة الغار التي ستغيب فيها،
ثم تشرق في المدينه
نلقاك فيها ناشرين أكفنا ظلا عليك،
وجاعلين صدورنا درعا حصينه
لكن أضواء المصابيح تسللت من خلف قاهرة المعز،
ولم تلح للساهرين !
ومشت رياح الأرض، أوراق الجرائد فيك،
بالنبأ الحزين !
فإذن هو النبأ اليقين !
واناصراه !
مالت رؤوس الناس فوق صدورهم،
وتقبلوا فيك العزاء
وأجهشت كل المدينة بالبكاء !
كوني ندى يا شمس أو غيبي
فاليوم يرحل فيك محبوبي !
كوني ندى يا شمس هذى اليوم
عين الحبيب استسلمت للنوم !
ورأيت في الطرقات قاهرة سوى الأخرى،
تفجرت المصيبة عن مداها
خرجت إليك مع الصباح كأنها مادت،
وعادت مرة أخرى تموج بما تخبئ في حشاها
تتدفق الأحياء حيا بعد حي حول مجرى نيلها،
وتغيب في أجساد أهليها الشواهق والصروح
ويضيع في أبنائها الباكين أبناء المماليك الصغار،
ويلمع النجم القتيل على ذراها
وترفرف الشارات
تندلع المناديل الصغيرة في سواد جنائز الصبح الفسيح
لا لم يمت !
وتطل من فوق الرؤوس وجوهك السمر الحزينه
لم يبق منك لنا سواها
تتشبث الأيدي بها
فكأنما أصبحت آلاف الرجال
وكأنما أصبحت للكف التي حملتك ملكا خالصا
فلكل ثاكلة "جمال" !
ولكل مضطهد "جمال" !
يا أيها الفقراء !
يا أبناءه المتنظرين مجيئه .. هو ذا أتى !
خلع الإمارة وارتدى البيضاء والخضراء
وافترش الرمال
هو ذا أتى !
ليمر مرته الأخيرة في المدينه،
ثم يأوي مثلكم في كهفها السري يستحيي لظاها
يستنهض الموتى، ويجمعكم ويصعد ذات يوم
مثل هذا اليوم،
يعطيكم منازلها، ويمنحكم قراها
هو ذا أتى !
فدعوه أنتم يا مماليك المدينة،
إننا أولى به يوم الرحيل
نبكيه حتى تنضب المقل الضنينه
نبكيه حتى ترتوي الأرض التي لابد سوف نهز
نخلتها،
ونطعم من جناها !
يتنزل الجسد المسجى في خضم الناس .
يصبح ملك أيديهم، وترتحل السفينه
وتلوح الأيدي !
نحس كأن خرجنا من مدينتنا إلى بلد غريب
يتواثب الأطفال فوق الأمهات الباكيات،
وتحمل الأجيال أجيالا، وتنفجر المدينه
بحر من الحزن المروع،
آه! كم جيل من الجدات تمتلئ السماء بهن،
يمطرن المدينة بالمراثي وهى تمشى في فتاها !
يا أيها الحزن مهلا واهبط قليلا قليلا
استوطن القلب واصبر ع العين صبرا جميلا
أيامنا قادمات وسوف نبكى طويلا
هذا حصانك شارد في الأفق يبكى،
من سيهمزه إلى القدس الشريف !
ومن الذي سيكفن الشهداء في سينا ومن يكسو
العظام
ويثبت الأقدام إذ يتأخر النصر الأليم ونبتلى
بمخاضه الدامي العنيف
ومن الذي تغفو عيون المريمات على اسمه،
أن المعاد غدا إلى أرض السلام
ومن الذي سيؤمنا في المسجد الأقصى،
ومن سيسير في شجر الأغاني والسيوف
ومن الذي سيطل من قصر الضيافة في دمشق،
يحدث الدنيا ويلحقها ببستان الشام
ومن الذي سيقيم للفقراء مملكة وتبقى ألف عام
ومن الذي سنعود تحت جناحه لبيوتنا،
نحيا ونسعد بالحياه
هذا حصانك شارد في الأفق يبكى،
والمدائن في حديد الأسر تبكى .. والصفوف
تبكيك .. والدنيا ظلام !
لو كنت أعلم أن يوم الملتقى سيكون في ذاك النهار
لقنعت منك بزورة في كل عام، وارتضيت الانتظار
ها أنت في دارى، فمن للأرض والمدن الأسيرة،
والصغار
أمسك عليك حصانك الباكي وسيفك،
إن رحلة حبنا
ستكون حربا .. لا يقر لها قرار !
الفجر عاد، ولم أزل سهران أستجلي وجوه العابرينا
فأراك ! لكن بعد ما اشتعل المشيب وغضن الدهر الجبينا
لا تبتئس أنا تأخرنا !
فبعد اليوم لن يصلوا لنا ليفرقونا !
ورأيت جاري في قطار الليل يبكي وحده،
ويضيع في ليل المدينه
وجهٌ ذكرت به مواكبك التي كانت طعام العام،
للفقراء أبناء السبيل
يتخطف التجار والعسس الصغار وجوههم في كل
أمسية، فيطوون الضلوع على محياك النبيل
يأتي غدا فينا !
ويكمل في مسيرة شعبنا المقهور دينه
يأتي غدا فينا !
ويجعلنا له جندا وحاشية،
ويجعل من منازلنا حصونه
يأتي غدا فينا !
يبوح بسرنا الخافي، ويسلمنا ودائعنا الدفينه
يأتي غدا !
ويجف دمعهم ويبتسمون في الحلم الجميل !
حتى يدور العام دورته،
فتدعوهم إليك، تمد مائدة
وتفرط فوقهم ثمر الفصول
وتسل سيفك في وجوه عدوهم
وتعود منتصرا تحيط بك المدائن والحقول
زدنا ! وتعطيهم، وتطعمهم وتسقيهم،
إلى أن يملأ الفرح السفينه
يتحقق الحلم الجميل لليلة يتزودون بها،
وينحدرون في الليل الطويل
يتنظرون على مداخل دورهم أن يلمحوك مهاجرا،
تلقى عصا التسيار تحت جدارهم يوما،
وتمسح عنهم تعب الرحيل
لكن بدر الليل لم يشرق علينا من ثنيات الوداع
ونعاه ناع !
يتمزق الصمت الحدادي الكئيب على انحدار قطارنا
في الليل وهو يمر منتحبا بأطراف المدينه
يجتاحنا هم ثقيل أنها اقتربت،
فماذا نبتغى بعد الوصول
والليل أثقل ما يكون،
كأن طير الموت لم يبرح يرف بجناحيه الأسودين،
على الكآبة والسكينه
تتراجع الأشجار هاربة
وتشخص حولنا الأشياء ثم تميل ساقطة
وتمعن في الأفول
وأشد صاحبتي ونرحل في زحام الناس،
لا ندرى غدا ماذا يكون،
وكيف تشرق شمسه فينا ولست على المدينه !
لا لم يمت ! وخرجنا
نجوب ليل المدينه
ندعوك فاخرج إلينا
ورد ما يزعمونه
إن كنت عطشان، كنا
إليك ريحا ونهرا
أو كنت جوعان، كنا
خبزا وملحا وتمرا
أو كنت عريان، كنا
ريشا، وكنا جناحا
أو في غيابات سجن
كنا مدى وسراحا
أو كنت مستنصرا،
كنا السيف والأنصارا
أو تائها في الصحارى
كنا القرى والدارا
تعود فينا فقيرا وعاريا وغريبا
تصير فينا، فتعطى الرماد هذا اللهيبا !
كنا نفتش عنك في أنحائها
والليل يوغل، والمقاهي بعد يقظى،
والمصابيح الكليلة، والعيون
متطلعين ! كأنما من شرفة سنراك تظهر،
أو من الراديو تصيح بملء صوتك،
ساخرا مما ادعاه المدعون
أو أن إنسانا سيخرج هاتفا في الليل :
عاد إلى الحياه !
أو أنها هي ليلة الغار التي ستغيب فيها،
ثم تشرق في المدينه
نلقاك فيها ناشرين أكفنا ظلا عليك،
وجاعلين صدورنا درعا حصينه
لكن أضواء المصابيح تسللت من خلف قاهرة المعز،
ولم تلح للساهرين !
ومشت رياح الأرض، أوراق الجرائد فيك،
بالنبأ الحزين !
فإذن هو النبأ اليقين !
واناصراه !
مالت رؤوس الناس فوق صدورهم،
وتقبلوا فيك العزاء
وأجهشت كل المدينة بالبكاء !
كوني ندى يا شمس أو غيبي
فاليوم يرحل فيك محبوبي !
كوني ندى يا شمس هذى اليوم
عين الحبيب استسلمت للنوم !
ورأيت في الطرقات قاهرة سوى الأخرى،
تفجرت المصيبة عن مداها
خرجت إليك مع الصباح كأنها مادت،
وعادت مرة أخرى تموج بما تخبئ في حشاها
تتدفق الأحياء حيا بعد حي حول مجرى نيلها،
وتغيب في أجساد أهليها الشواهق والصروح
ويضيع في أبنائها الباكين أبناء المماليك الصغار،
ويلمع النجم القتيل على ذراها
وترفرف الشارات
تندلع المناديل الصغيرة في سواد جنائز الصبح الفسيح
لا لم يمت !
وتطل من فوق الرؤوس وجوهك السمر الحزينه
لم يبق منك لنا سواها
تتشبث الأيدي بها
فكأنما أصبحت آلاف الرجال
وكأنما أصبحت للكف التي حملتك ملكا خالصا
فلكل ثاكلة "جمال" !
ولكل مضطهد "جمال" !
يا أيها الفقراء !
يا أبناءه المتنظرين مجيئه .. هو ذا أتى !
خلع الإمارة وارتدى البيضاء والخضراء
وافترش الرمال
هو ذا أتى !
ليمر مرته الأخيرة في المدينه،
ثم يأوي مثلكم في كهفها السري يستحيي لظاها
يستنهض الموتى، ويجمعكم ويصعد ذات يوم
مثل هذا اليوم،
يعطيكم منازلها، ويمنحكم قراها
هو ذا أتى !
فدعوه أنتم يا مماليك المدينة،
إننا أولى به يوم الرحيل
نبكيه حتى تنضب المقل الضنينه
نبكيه حتى ترتوي الأرض التي لابد سوف نهز
نخلتها،
ونطعم من جناها !
يتنزل الجسد المسجى في خضم الناس .
يصبح ملك أيديهم، وترتحل السفينه
وتلوح الأيدي !
نحس كأن خرجنا من مدينتنا إلى بلد غريب
يتواثب الأطفال فوق الأمهات الباكيات،
وتحمل الأجيال أجيالا، وتنفجر المدينه
بحر من الحزن المروع،
آه! كم جيل من الجدات تمتلئ السماء بهن،
يمطرن المدينة بالمراثي وهى تمشى في فتاها !
يا أيها الحزن مهلا واهبط قليلا قليلا
استوطن القلب واصبر ع العين صبرا جميلا
أيامنا قادمات وسوف نبكى طويلا
هذا حصانك شارد في الأفق يبكى،
من سيهمزه إلى القدس الشريف !
ومن الذي سيكفن الشهداء في سينا ومن يكسو
العظام
ويثبت الأقدام إذ يتأخر النصر الأليم ونبتلى
بمخاضه الدامي العنيف
ومن الذي تغفو عيون المريمات على اسمه،
أن المعاد غدا إلى أرض السلام
ومن الذي سيؤمنا في المسجد الأقصى،
ومن سيسير في شجر الأغاني والسيوف
ومن الذي سيطل من قصر الضيافة في دمشق،
يحدث الدنيا ويلحقها ببستان الشام
ومن الذي سيقيم للفقراء مملكة وتبقى ألف عام
ومن الذي سنعود تحت جناحه لبيوتنا،
نحيا ونسعد بالحياه
هذا حصانك شارد في الأفق يبكى،
والمدائن في حديد الأسر تبكى .. والصفوف
تبكيك .. والدنيا ظلام !
لو كنت أعلم أن يوم الملتقى سيكون في ذاك النهار
لقنعت منك بزورة في كل عام، وارتضيت الانتظار
ها أنت في دارى، فمن للأرض والمدن الأسيرة،
والصغار
أمسك عليك حصانك الباكي وسيفك،
إن رحلة حبنا
ستكون حربا .. لا يقر لها قرار !
أكتوبر 1970
1 تعليق/تعليقات:
يا من يتساءل :
هل يأتى عبد الناصر ؟؟
السيد موجود فينا ..
موجود فى أرغفة الخبز ،
وفى أزهار أوانينا
مرسومٌ فوق نجوم الصيفِ ..
وفوق رمال شواطينا ..
موجودٌ فى أوراق المصحف ،
فى صلوات مُصلّينا ..
موجود فى كلمات الحبِّ ،
وفى أصوات مُغنّينا
موجود فى عرق العمّال ،
وفى أسوان ، وفى سينا
مكتوب فوق تحدّينا
السيدُ نامَ .. وإن رجعتْ
أسراب الطير ،
سيأتينا ...
إرسال تعليق
<< الصفحة الرئيسية